جهود العرب في علم الرياضيات
يعزى للعرب والمسلمين اكتشاف العلوم الرياضية كالجبر والهندسة وحساب المثلثات والتفاضل والتكامل وغيرها من العلوم الرياضية ؛ لأن العمليات الحسابية التي هي عماد البحث العلمي كان إجراؤها بالحروف أو بالأرقام الرومانية أمرًا عسيرًا وعقيمًا، فهم الذين زاوجوا بين طرق الحساب الهندية والإغريقية وعدلوا عملياتها لتلائم أسلوب الكتابة بالحبر على الورق بدلاً من طريقة تختة الرمل (تختة الرمل: عبارة عن مسطح مغطى بالرمل تجرى عليه العمليات الحسابية بالكتابة بالإصبع ثم يسوى سطحه ويعاد الكتابة عليه) التي أخذوها عن الهنود. كما استنبط العرب طرقًا جديدة أبسط وأكثر دقة.
فالعرب هم الذين أدخلوا المماس إلى علم المثلثات وأقاموا الجيوب مقام الأوتار ، وطبقوا علم الجبر على الهندسة، وحلو المعادلات المكعبة وتعمقوا في مباحث المخروطات وحولوا علم المثلثات الكروية بردهم حل مثلثات الأضلاع إلى بضع نظريات أساسية تكون قاعدة له.
وتوصلوا إلى اكتشاف الكسور العشرية، وابتكروا العلامة العشرية التي سهلت صوغ هذه الكسور ويسرت العمليات الحسابية التي تدخل فيها.
كما حدد العرب الشكل النهائي للأرقام ووضعوا القواعد اللازمة لاستعمال الأرقام الهندية -الأرقام الهندي: هي نوع من الأرقام الهندية الأصل التي هذبها العرب وأصبحت تعرف باسم الأعداد العربية وهي تستعمل في المشرق الإسلامي مثل 1، 2، 3، 4، 5 الخ-…
الأرقام الغبارية / الأرقام الغبارية : سميت غبارية لأن كتابها كانوا ينثرون غبارًا على لوح من الخشب ويرسمون عليه الأرقام 1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 …الخ …. وقد انتشر استعمالها في المغرب الإسلامي والأندلس، وعن طريق الأندلس وبواسطة المعاملات التجارية والرحلات والسفارات دخلت هذه الأرقام إلى أوروبا وعرفت فيها باسم -الأرقام العربيArabic Numerals –
كما أن العرب واضعوا الرقم -صفر- ولأهميته العددية أطلق لفظ -سيفر Cipher -على -الرقم- بالإنجليزية وكانوا يرسمونه على هيئة حلقة في داخلها فراغ، وهو شكل أصبح يدل علي الصفر لدي الغرب. ومنشأ ذلك أن العرب القدامى كانوا يرسمون الصفر حلقة يؤكد هذا بيتان قالهما الأسود بن بلال المحاربي لما أغزاه الوليد بن يزيد البحر. وفيهما يشير إلى استخدام الحلقة للدلالة على عدم وجوده
لتعترض اسمي لدى العرض حلقة وذلك إن كان الإياب يسير
وقد كان في حول الشرَبّة مقعد لذيذ وعيش بالحديث غزير.
وهذا المعنى يوافق تمامًا شكل الصفر – الحلقة – (0 ) في الأرقام العربية التي يستعملها الغرب والمغرب العربي حاليًا .
أبو عبدالله، أحمد محمد بن موسي الخوارزمي (164-232هـ/ 780-847م).
ولد في بلاد -خوارزم- بآسيا الصغرى وتوفي ببغداد. برز في عصر المأمون وتبوأ منزلة رفيعة بين علماء عصره، ثم صار رئيسًا لدار الحكمة وواحدًا من كبار الفلكيين بمرصد بغداد، وفي عهد الواثق كُلف ببعض المهام العلمية وأُنفذ في بعض البعثات العلمية والمهام الخاصة.
إنجازات الخوارزمي العلمية:
للخوارزمي بحوث ومؤلفات في العلوم الرياضية (الحساب والجبر والهندسة) وعلم الهيئة (الفلك) والجغرافيا، وينسب للخوارزمي أكثر من خمسين مؤلفًا ضاع معظمها.
الحساب:
نقل الخوارزمي نظام الأعداد الهندية وألف فيه، كما ألف كتابًا غير مسبوق في الحساب -الجمع والطرح وفن الحساب الهندي- بوبه بطريقة مبتكرة وكان أول كتاب في الحساب يدخل أوروبا بعد أن ترجمه المترجم الإنجليزي – أديلارد الباثى (1070-1135م) Adelard Bath الذي كان يعمل مترجمًا للأمير هنري -الملك هنري الثاني فيما بعد- وقد ظل هذا الكتاب مرجعًا للعلماء والتجار وأهل صنعة الحساب في أوربا قرونًا طويلة، وأطلق الأوربيون على الكتاب اسم مؤلفه الخوارزمي وكتبوه محرفًا إلى عدة صور منها – Guaresmo – Algorithm – Algoritmi – Algorismus- وقد عمم هذا اللفظ على علم الحساب نفسه فصار ولعدة قرون يعرف باسم – Algoritmi.
الجبر:
الجبر علم عربي إسلامي خوارزمي -نسبة إلى الخوارزمي- خالص، فمؤسس هذا العلم كعلم مستقل عن الحساب هو الخوارزمي بوضعه كتاب -الجبر والمقابلة- والحافز على تأليف هذا الكتاب تطبيق العلم على قوانين الشريعة الإسلامية لحل مشاكل الإرث الإسلامي، فجزء كبير من الكتاب مخصص لتلك المشاكل. والخوارزمي هو الذي أطلق عليه هذا الاسم الذي يعرف به في كل اللغات تقريبًا نسبة إلى تسمية كتابه -الجبر والمقابلة- وغلب اللفظ الأول على اسم هذا الوليد فصار يعرف به. ومن الغريب أن بعض مؤرخي العلم الغربيين الذين هالهم أن يجتمع لعالم عربي مسلم واحد هذا الكم الكبير من الإنجازات ردوا لفظ -الجبر- إلى الاسم -Geber – الذي هو تحريف لاتيني لاسم الفلكي الأندلسي -جابر ابن أفلح الأشبيلي- وهو خطأ مضحك لأن جابر عاش بعد الخوارزمي بقرنين!
على هذا النسق، حاول بعض علماء الغرب إهمال دور العرب في بناء الإنسانية الذي اتخذ صورًا شتى وصيغًا مختلفة ما بين تجاهل للعلم العربي أو التهوين من شأنه، إلى غير ذلك من الصور والصيغ التي تصب في مجرى واحد لا تتعداه وهو إسقاط مآثر الحضارة العربية الإسلامية في مجال العلم، الأمر الذي انعكس بالتالي على الفكر الغربي ومن ثم أدبيات الخطاب الإعلامي الغربي حيال العلماء العرب والمسلمين.
وبالعودة إلي كتاب -الجبر والقابلة- للخوارزمي يجب أولاً تعريف الجبر والمقابلة.
الجبر لغة: رد الشيء على حالته الأولى كحبر الكسر مثلاً، ومعناه الرياضي إضافة مقدار قدر معين لطرفي المعادلة بغرض تسهيل الحل. (الجبر مصطلحيًا: نقل الكسر أو جبره واختزاله، وكلا المعنيين تدل عليهما الكلمة الإسبانية -الجبريستا Alhebrista -التي تعني عالم الجبر أو مجبر العظم)، (مما يلفت النظر أن تأثر اللغة الإسبانية باللغة العربية وصلت في هذه الحالة إلى حد استخدام كلمتي -الجبر- و-الكسر- في نفس المجالين اللذين تستخدمها فيها اللغة العربية حتى اليوم، وهما مجال -الكسور- الرياضية و-كسور -العظام-، وجبر الكسر الرياضي بمعنى اختزاله، وجبر كسر العظام بمعنى العمل على عودة التئامها).
أما المقابلة فمعناها: التساوي بين مقدار ومقدار وتقابلهما في طرفي المعادلة.
وقد قام الجبر على التزاوج بين نظام الأعداد الهندية وقواعدها ونظريات الهندسة. ونشأة هذا العلم أحدث ثورة هائلة في كل العلوم الأخرى. وكان ذلك يتطلب عبقرية فذة لأن الرموز الجبرية لم تكن مستخدمة بعد، لذا استخدم الخوارزمي بدلا من – س- و-ص- كلمة شيء أو جذر، ومربع المجهول – س2- كلمة -مال- فقال مثلاً : مالان وعشرة جذور تعدل ثمانية وأربعين درهمًا للتعبير اللفظي عما نكتبه نحن بلغتنا الحديثة: 2س2+10 س =48 .
وقدم الخوارزمي في كتابه -الجبر والمقابلة- حلولاً من الدرجة الثانية بطرق هندسية.
(المعادلة من الدرجة الثانية هي المعادلة التي تتخذ الصورة العامة: أس2+ب س+جـ=0، مثل: 2س2+4س+3=0 وهذا في مقابل المعادلة من الدرجة الأولى التي تسمي أيضًا بالمعادلة الخطية وتتخذ الصورة الرياضية العامة: أس=ب ،مثل: 2س=3).
كذلك أوجد الخوارزمي رموزًا للجذور والمربع والمكعب والمجهول.
كما خصص الخوارزمي أحد أبواب كتابه -الجبر والمقابلة- لمعاملات البيع والشراء المختلفة وما يكتنفها من عمليات حسابية، كما خصص بابًا آخر للمساحة حل فيه المسائل الهندسية بالطرق الجبرية، وبابًا ثالثًا للوصايا تناول فيه مسائل عملية تختص بالتركات والمواريث.
ولأهمية كتاب -الجبر والمقابلة- قام بترجمته الإنجليزي -روبرت التشسترىRobert of Chester – إلى اللاتينية عام 1143م ليصبح من أهم روافد النهضة العلمية الأوربية. وحققه ونشره بالعربية العالمان المصريان الجليلان – علي مصطفي مشرفة ومحمد مرسي أحمد عام 1937م عن المخطوطة المحفوظة بالمكتبة البودلية في أكسفورد بإنجلترا..
حساب المثلثات (الهندسة):
درس الخوارزمي حساب المثلثات وبحث فيه، ونشر أول جداول مثلثيه عربية تناول فيها الجيوب والظلال. وقد ترجمت هذه الجداول إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر الميلادي.
علم الهيئة (الفلك):
شارك الخوارزمي في قياس محيط الأرض الذي تم في عهد الخليفة المأمون (198-218هـ /813م-833م) تحديدًا في العام 212هـ/827م، وهو القياس الذي تم بطريقة فلكية اعتمدت على انقسام لجنة العلماء المكلفة به إلى فريقين اتجه أحدهما شمالاً والآخر جنوبًا على نفس خط الطول، ثم قام كل فريق بتحديد خط العرض في الموضع الذي بلغه عن طريق قياس ارتفاع النجم القطبي، ومن القياسين الحاصلين قام العلماء بحساب الدرجة القوسية التي استخدمت بدورها في حساب محيط الأرض ونصف قطرها. (تم تحديد محيط الأرض بنحو 41248 كيلو مترًا وهي أدق محاولة تقترب في نتيجتها من ما توصل إليه العلم الحديث).
كما وضع الخوارزمي جداول فلكية منها -السند والهند- الصغير. كما صنف في الفلك مؤلفات هامة منها -كتاب – العمل بالأسطرلاب- وكتاب – جدول النجوم وحركاتها-.
الجغرافيا:
في الجغرافيا ألف الخوارزمي كتاب -صورة الأرض- كما ألف أيضًا كتاب -تقويم البلدان-.
– تقول دائرة المعارف البريطانية عن الخوارزمي: “رياضي وفلكي ألف علمين جوهريين أحدهما في الجبر والآخر في الأرقام الهندية العربية، كانا واسطة في تعريف الرياضيات الأوربية بهذين الموضعين”.
وتقول المستشرقة الألمانية -زيجريد هونكه Z.Honke- : “لقد كُتب للخوارزمي الخلود بتأليفه كتابين هامين في الرياضيات الأول -الجبر والمقابلة- والثاني كتاب في الحساب شرح فيه طريقة استخدام نظلم الأعداد والأرقام والجمع والطرح والضرب والقسمة وحساب الكسور، وقد ترجم الكتاب الأول إلى اللغة اللاتينية في عام 1143م”.
المصدر : مجلة حراء التركية
اكتشاف المزيد من موقع متورخ
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.
موقع قصة عشق