إعادة تكوين وجه الفرعون أمنحتب الأول بعد 3500 عام
لأول مرة منذ 3500 عام، كشف العلماء عن شكل يشبه وجه أمنحتب الأول، الفرعون المصري الذي أسس وادي الملوك. وقد أصبح هذا ممكنا من خلال مزيج من التكنولوجيا الحديثة والخبرة التاريخية، مما يقدم لمحة حميمة عن مظهر الحاكم الذي استهل أحد العصور الذهبية لمصر القديمة.
الفرعون خلف وادي الملوك
أمنحتب الأول، ثاني حكام الأسرة الثامنة عشرة في مصر، حكم من حوالي 1526 إلى 1506 قبل الميلاد. اشتهر بفترة حكمه التي اتسمت بالسلام والازدهار، وقد سار على خطى والده أحمس الأول، الذي طرد الغزاة الهكسوس وأعاد توحيد مصر.
أرسى عهد أمنحتب الأول الأساس لصعود المملكة الحديثة إلى السلطة، ويُنسب إليه الفضل في إنشاء وادي الملوك باعتباره المثوى الأخير للفراعنة والنبلاء في هذا العصر، حسبما كتبت صحيفة ديلي ميل.
لم يكن أمنحتب الأول يحظى بالتبجيل فقط لإنجازاته العسكرية، التي شملت حملات في ليبيا وشمال السودان، ولكنه أشرف أيضًا على مشاريع دينية ومعمارية مهمة، مما نال إخلاص شعبه.
بعد وفاته عن عمر يناهز 35 عامًا، تم عبدة أمنحتب الأول كإله، وتم حفظ جسده المحنط بدقة.
التابوت الخارجي لأمنحتب الأول ورأسه وجسمه بعد المسح من الداخل. (س. سليم و ز. حواس / الحدود في الطب)
إعادة بناء وجه فرعون
مرة أخرى، قاد المصمم البرازيلي ثلاثي الأبعاد شيشرون مورايس، المتخصص في إعادة بناء الوجه بالطب الشرعي، المشروع لإعادة إنشاء وجه أمنحتب الأول رقميًا. وباستخدام التقنيات المتطورة، قام مورايس بجمع البيانات من مصادر مختلفة، بما في ذلك التصوير المقطعي المحوسب (CT) لمسح الوجه. تم التقاط جمجمة فرعون في عام 2021. وكان هذا العمل جزءًا من مشروع أوسع بقيادة عالمة الأشعة القديمة سحر ن. سليم من جامعة القاهرة وعالم المصريات الشهير زاهي حواس، الذي “فك غلاف” مومياء أمنحتب تقريبًا باستخدام التصوير المقطعي المتقدم.
وكشفت الأشعة المقطعية عن تفاصيل مهمة حول المظهر الجسدي للفرعون، بما في ذلك هيكله العظمي وبعض الأعضاء الداخلية المحفوظة مثل قلبه ودماغه. وأكدت هذه الفحوصات أيضًا أن أمنحتب الأول كان يبلغ طوله حوالي 5 أقدام و 6 بوصات (1.67 مترًا) وكان لديه أسنان محفوظة جيدًا.
على الرغم من أن عمليات المسح لم تحدد سبب الوفاة، إلا أنها أشارت إلى أن جسده تعرض لأضرار بعد الوفاة، من المحتمل أن يكون سببها لصوص المقابر أو المحنطون الذين أعادوا تغليف مومياءه بعد قرون من دفنه.
باستخدام فحوصات الجمجمة كأساس، طبق مورايس تقنيات إعادة البناء المختلفة. تضمنت إحدى الطرق وضع علامات سمك الأنسجة الرخوة عبر الجمجمة، بينما تضمنت الطريقة الأخرى “التشوه التشريحي”، وضبط رأس المتبرع الرقمي حتى يتطابق مع ملامح جمجمة أمنحتب.
كانت عملية إعادة البناء النهائية عبارة عن عملية مركبة، تمزج هذه التقنيات مع المعرفة التاريخية بالملوك المصريين.
وجه أمنحتب كما أعاد بناؤه شيشرون مورايس وفريقه. (© شيشرون مورايس)
الكشف عن وجه فرعون الحقيقي
انحرف الوجه الذي كشف عنه مورايس عن الصور التقليدية لأمنحوتب الأول في التماثيل والأعمال الفنية. كان أحد الاختلافات الملحوظة هو مغالاة الفرعون، أو تراجعه، وهي سمة لم يتم تمثيلها عادة في تماثيل أمنحتب الأول أو غيره من الحكام المصريين.
وأوضح مورايس أن “العديد من المومياوات، مثل أمنحتب الأول، تظهر عليها تراكب، لكن هذا لا ينعكس بشكل عام بطريقة متوافقة في التماثيل”.
في حين أن الوجه المعاد بناؤه يتطابق مع التماثيل في مناطق معينة، مثل الأنف، فإن بنية الوجه الشاملة كانت أكثر رشاقة في الجبهة وأكثر بروزًا في منطقة الذقن.
يقدم عمل مورايس، المكمل بالنتائج التي توصل إليها عالم الآثار مايكل هابيشت من جامعة فلندرز، التصوير الأكثر واقعية لأمنحتب الأول حتى الآن. تعيد عملية إعادة البناء الرقمية هذه الحياة إلى وجه الفرعون، مما يسمح للجمهور الحديث برؤية الرجل الذي حكم مصر القوية والمزدهرة.
أمنحتب الأول: الفرعون الذي بشر بالعصر الذهبي
كان عهد أمنحتب الأول بمثابة نقطة تحول في التاريخ المصري القديم. بعد إعادة توحيد مصر بنجاح على يد والده أحمس الأول، عزز أمنحتب الأول قوة المملكة، وقاد مصر إلى فترة من السلام والنمو. تركت مبادراته الدينية والمعمارية، بما في ذلك بناء المعابد والآثار، أثرًا دائمًا على الحياة الثقافية والروحية في مصر.
كان من أهم مساهماته تأسيس وادي الملوك، الذي أصبح موقع دفن جميع فراعنة الأسرات الثامنة عشرة والتاسعة عشرة والعشرين تقريبًا. تم العثور على مومياءه من بين أولى المومياوات التي دُفنت هناك، على الرغم من نقلها إلى مخبأ مخفي في القرن الحادي عشر قبل الميلاد لحمايتها من لصوص المقابر.
تم تأليه أمنحتب الأول بعد وفاته، وهو شرف نادر لفرعون مصري. وكان يعبد إلى جانب والدته أحمس نفرتاري، واستمرت عبادته حتى عصر الدولة الحديثة. يعكس اسمه، الذي يعني “آمون راضي”، علاقته الوثيقة مع الإله آمون، ويُذكر أن فترة حكمه كانت فترة ازدهار ثقافي وإخلاص ديني.
جهد تعاوني في إعادة اكتشاف الماضي
إن إعادة البناء الرقمي لوجه أمنحتب الأول هي تتويج لسنوات من العمل الذي قام به علماء المصريات، وأخصائيو الأشعة، والمصممون، حيث تعرض كيف يمكن للتكنولوجيا الحديثة أن تبث حياة جديدة في التاريخ القديم.
وقال مورايس: “لم نقم بهذا العمل وحدنا، بل قام به كل من درسوا مصر القديمة ودرسوها بجدية، وتبادلوا المعلومات دائمًا”، مسلطًا الضوء على الطبيعة التعاونية لهذا المشروع الرائد.
شاهد المزيد من الأعمال الاستثنائية لشيشرون مورايس في الفيلم العادي “وجوه التاريخ” في مجلة الأصول القديمة.
الصورة العليا: اليسار؛ إعادة بناء وجه الفرعون أمنحتب الأول بالكامل. إعادة البناء الرقمي. المصدر: اليسار؛ الحدود في الطب/ يمين؛ شيشرون مورايس
بقلم غاري مانرز